الثلاثاء، 1 فبراير 2011

افعالنا و أقدارنا


افعالنا و أقدارنا 
محمود أغيورلي
إن موقعنا اليوم في هذه الحياة يتحدد كما تتحدد النقطة في الفيزياء بأربعة محاور .. أخلاقنا .. مبادئنا .. أفعالنا .. وذلك الذي أضافه آينشتين مؤخراً .. محور الزمن .. فأنت إن اردت أن تعي صحة الدرب الذي عليه تسير عليك ان تنظر الى ثلاثيتك الحركية تلك تبعاً للزمن  ... تلك الثلاثة التي تترابط فيما بينها بصورة متشابكة جداً مؤثرة ومتأثرة كلٌ بالاخرى .. فمبادئك هي نتاج اخلاقك .. وافعالك هي نتاج مبادئك وما فسد منهم .. أفسد البقية .. فالانسان الذي يوازن بين الثلاث وعينه دوماً على محور الزمن .. هو ذلك الانسان الذي له وجود حقيقي في هذه الحياة ... بل ربما هو الانسان بعينه .
والذي يختلف الكثير عليه اليوم هو مبدأ التعين في الحياة  ! اي هل نحن الذين نحدد موقعنا في الحياة ام ان الحياة هي التي تحدد موقعنا فيها او ما يدعيه البعض أنه القدر او الظروف ..
فبعضنا يلوم القدر و الظروف تماماً .. بل ويحمله\يحملها المسؤولية المطلقة على موقعه في هذه الحياة رغم تحكمه التام  بالثلاثية تلك المرتبطة بالزمن .. ويدعي انه لولا القدر\الظروف لكان افضل .. وانه لولا القدر\الظروف لما قام بذلك ... إلخ إلخ ... نعم الحق معه  فقد حلت المشكلة هكذا !.. فقد وجد من يلام عليها ! ..  ومن أفضل من القدر\الظروف ملاماً لكل أفعالنا .. فمعظم أخطائنا يمكننا ان نتهم القدر بانه مسببٌ لها .. بل وفاعلاً فيها .. وندعي انه لولاه او لولا الظروف  لما صرنا الى ما صرنا اليه اليوم ... متناسينَ تماماً أننا نحن وحدنا الذين عقدنا العزم وخطونا تلك الخطى التي آلت بما هي عليه الامور اليوم .
ان هذه السلبية التي تعترينا اليوم سواء كانت تلك السلبية السياسية او الاجتماعية او حتى الاخلاقية ما هي الا نتاج تلك المفاهيم المغلوطة التي تحيط بنا ..
فالقدر .. ليس العنصر الفاعل في حياة اي فرد بل العقل هو .. - إن كان مؤمنا على الاقل – فالشخص المؤمن يؤمن بأنه لامحالة سيعرض أمام حكمٍ يقيم أفعاله .. ويقيم حركته في هذه الحياة بحكم ثلاثيته تلك – أخلاقه , مبادئه ,  افعاله -  وهذا الايمان يقتضي تخيير الانسان وتحكمه التام في أفعاله .. لا ان يكون عبداً لما يُدعى القدر او متأثراً بما يوصف بأنها الظروف القاهرة ... لان القدر او الظروف يفرض\تفرض التحديات لا الخيارات  .. فالانسان أُنعم عليه بالعقل ..لكي يختار فيه ويحلل فيه موقعه تبعاً لثلاثيته تلك التي تحكم حياته , لأنه – العقل -  هو الذي يمايز بين الاخلاق أيها اصلح .. وايها انسب لكي تُبنى المبادىء عليها .. والعقل هو الذي يختار المبادىء أيها أقوم لكي تقوم الافعال عليها .. والعقل هو الذي يجيد ويحسن تحليل نتائج الافعال تبعاً للوجود الزمني للانسان في هذه الحياة فيدرك ان كانت افعاله لها انتاجية ملائمة لهذه الحياة من عدمها .. وهو من تلك النقطة يعي تماماً أهمية وجوده ! مهما كانت ظروفه !
فذلك القدر الذي يحيط بنا من كل جنب فارضاً علينا تحدياته .. ليس أكثر من امتحان لإختبار توازننا في هذه الحياة تبعاً لثلاثيتنا تلك بل هو بوابة تقيم تضعها الحياة في دروبنا لكي تختبرنا وتختبر صدقنا في ثلاثيتنا تلك .. وكم من كثير يفقد توازنه جراء إمتحان صغير .. او تحدٍ بسيط !

أما عن تلك الصدف او الاشارات كما يسميها الروحانيون فقد وجدت لكي  تنير الدروب.. لا لكي تجبرك على العبور .. فالرجل الذي يقوم إلى الله بركعتي إستخارة طالباً إشارة أو إنارة .. لن يرسل له ملاكٌ يمسكه من يده لكي يسير معه في دربه  الملائم ..بل سترسل إليه إشارة تقوده إليه أو إطمئنان يطمئنه إليه .. او ضيق صدره ينبهه عنه وهو هناك يختار اما الاستماع و إما الامتناع .. وذلك الرجل البوذي الذي يجلس وحيداً في قمة جبلٍ باحثاً عن نفق نورٍ يرتقي به إلى النيرفانا خاصته .. لن يأتي من يخبره أنه طالها وانه وصل الى نفسه السامية .. بل سيرى إشارة يفهمها هو وحده بأنه نعم قد طالها !
ووحده الحكيم من يستطيع أن يقرأ ويستوعب تلك الاشارات .. مدركاً تماما انها وجدت لكي توجه لا لكي تجبره .
ختاماً .. ان الحياة بحيوتها وتمايزها وفعاليتها تضع الانسان الذي كرم برسالته في موضع شديد الصعوبة اينما كان .. سواء كان في قمة الهرم الاجتماعي او في قاعه .. فهي تفرض عليه توازناً هاماً بين ثلاثية متشابكة فيما بينها بصورة معقدة ناهيكم عن محور زمني لا يتوقف .. مما يستدعي منه تقيماً يومياً لنفسه لكي يحدد موقعه من تلك الجملة الاحداثية الكبيرة التي تسمى " الكون " وإستعداداً تاماً لكل إختبارات القدر التي ما تفتأ تحيط بنا كل هنية تلو الاخرى .
وهو كنقطة من تلك الجملة الاحداثية يتوجب عليه ان يترك العالم بصورة أفضل مما كان عليه عندما قدم إليه .. وهو يعي تماما .. ان اي تصرف صغير من قبل حضرته المتحكم التام بثلاثيته .. لا بد ولا محالة ان يكون له تأثيرٌ ما في وقت ما عليه وعلى الآخرين في محيطه .. وأنه سوف يؤجر أو يعاقب عليه حتما تبعاً لحساب ما يوما ما .. عند رب كبير يرى الجملة بأكملها  ويدرك تماماً اي النقاط تنسجم وتضيف .. وأيٌ تتنافر وتسيء .. ومن تلك التي وازنت بين ثلاثيتها وبين زمن وجودها وأضافت الكثير ! ومن تلك التي إنهارت أمام تحد كبير .. أو كُشف زيفها أمام إغراء بسيط !
وكل عام وثلاثيتك بخير !

*بقلم محمود أغيورلي 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق